Mar
29
2011
المشير عبد الرحمن محمد حسن سوار الذهب الرئيس السابق للجمهورية السودانيةرجل وعد فأوفى، ترك كرسي رئاسة الجمهورية وعاد مواطنا عاديا بإرادته، إلى مثل هذا الرجل نحتاج، لا نحتاج إلى ثورات، ولا شعارات، ولا وقفات، فمن هو؟
إنه المشير عبد الرحمن محمد حسن سوار الذهب -الرئيس السابق للجمهورية السودانية- استلم السلطة أثناء انتفاضة إبريل 1985 بصفته أعلى سلطة بعد رئيس الجمهورية، وبتنسيق مع قادة الانتفاضة من أحزاب ونقابات، في البداية رفض المشير سوار الذهب أن يكون رئيس البلاد؛ لأنه أقسم يمين الولاء للرئيس جعفر النميري، فجاءت الفتوى الشرعية بأن مصلحة الشعب فوق سلطة ومصلحة رئيس الجمهورية، وأنّ تحلّله من يمين الولاء يكون بالصوم ثلاثة أيام، ليلقي بيانه الأول وهو صائم، ثم قام بتسليم السلطة للحكومة المنتخبة في العام التالي -كما وعد يوم استلامه للسلطة- برئاسة رئيس وزرائها الصادق المهدي، ورئيس مجلس سيادتها أحمد الميرغني، وبعدها اعتزل العمل السياسي ليتفرغ لأعمال الدعوة الإسلامية من خلال منظمة الدعوة الإسلامية كأمين عام لمجلس الأمناء.
لم يصدّق أعضاء الأحزاب السودانية أن المشير سوار الذهب سيُبرّ بوعده، كما لم يُصدّق السياسيون وعامة العرب، كما اعتدنا أن يفعل أي رئيس عربي؛ إذ من سيحاسب الرئيس إذا أخلف وعده؟! هكذا هي السياسة العربية ممارسة الأمور المكدّرة وإطلاق قذائف الكذب من المسئولين على المواطنين؛ لأن المحاسبة لا تأتي من العامة المشغولة بكسب رغيف الخبز، وبقي السؤال: "لماذا فعل ذلك؟" دون جواب، فهل كان يحلم بطريقته العسكرية الخاصة، فوضع خطة عسكرية هجومية للقضاء على الديكتاتورية ووضع خطة الانسحاب إلى الديمقراطية؛ من أجل بقاء بلده، ربما؛ فالبحث عن رئيس دولة عربية صادق كمن يبحث عن حصان عربي أصيل يعود نسبه إلى فصيلة أحد الخيول العربية من أحفاد فرس أبي طلحة المسمّى "المندوب"، والذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وإنا وجدناه لبحرا".
يعدّ المشير سوار الذهب من أبرز الشخصيات الإسلامية ذات الشهرة العالميةولد بمدينة الأبيض، وهو ينحدر من أسرة عريقة استوطنت مدينة أم درمان، ولها حي كامل يسمى "السواراب"؛ نسبة لجدهم الكبير في حي ودنوماوي بأم درمان، وقد تلقى تعليمه العسكري في الكلية الحربية السودانية، وتخرج فيها عام 1955، وتقلد عدّة مناصب في الجيش، حتى وصل به المطاف إلى وزارة الدفاع كوزير معيّن، حيث تم إبعاده عن الخدمة "تعسّفيا" في العام 1972 وأرسِل لدولة قطر، وعمل بها كمستشار للشيخ خليفة آل ثان -حاكم قطر- للشئون العسكرية، ثم عاد بعد الرضا عنه ليعين رئيسا لهيئة الأركان، وتدرّج إلى أن تم تعيينه 1985 قائدا أعلى للقوات المسلحة السودانية، مع تمديد فترة عمله بالجيش لمدة سنة حسب قرار رئيس الجمهورية، وذلك حتى لا يشغل المنصب من بعده أحد اللواءين تاج الدين - أو عثمان عبد الله.
بعد أن اعتزل العمل السياسي تفرّغ سوار الذهب لأعمال الدعوة الإسلامية والعمل الخيري, حيث ترأس مجلس أمناء منظمة الدعوة الإسلامية في السودان, والتي كان من أهم إنجازاتها تشييد أكثر من 200 مدرسة ما بين ثانوية، ومتوسطة، وابتدائية، بالإضافة إلى إنشاء أكثر من 2000 مسجد في إفريقيا وشرق أوروبا، هذا غير عشرات المستشفيات ومراكز الطفولة والتغذية ورعاية الأمومة وملاجئ للأيتام.
ومن عجائب القدر أن نشأت صداقة وثيقة بينه وبين جعفر النميري الذي عاد إلى السودان، وأنشأ الحزب المايوي (قوى تحالف الشعب العاملة) ليصبح من الزوّار القلائل الذين يزورونه في مرضه الآن، كأن الحياة السياسية تفرّق والهموم الاجتماعية توحّد.
وكان النجم أحمد زكي ينوي أن يجسّد تلك الشخصية الفريدة على شاشة السينما في فيلم من إخراج حامد حسن، ولكن القدر لم يمهله.
ولذا يعدّ المشير سوار الذهب من أبرز الشخصيات الإسلامية ذات الشهرة العالمية، كما يحظى بتقدير عالٍ لمصداقيته في التخلي طواعية عن الحكم برّاً بوعده، ولِما قام به من جهود في خدمة الإسلام والمسلمين، فهل المستحيل في عالم السياسة العربية غدا ممكنا؟! ليت المسئولين لديهم ما في قلب المشير سوار الذهب -حفظه الله- من ضمير إيماني وحبّ تجاه بلادهم، بدلا من مشاهدة شعوبهم، وهم يبيتون بالشهور في العراء ليزيحوهم عن عروشهم.