الصحافي السوداني المثير للجدل «محمد مكي محمد حسين» من مواليد العام العام 1925م وتوفي في عام 1970م وهو من أصل نوبي وتحديدا من قبيلة الحلفاويين، ولد ونشأ في منطقة النوبة جنوبي مصر، في قرية «أدندان» في محافظة أسوان، وعمل بالجيش المصري حتى قيام ثورة يوليو المصري عام 1952م.. ورأت الثورة تشجيع السودانيين على العودة إلى السودان للمساعدة في خلق التقارب السوداني المصري.. فحضر «محمد مكي» إلى السودان وعمل في البداية بالنقل الميكانيكي بالسودان.. حتى عام 1954م ثم تقدم بطلب لإصدار صحيفة «الناس».. وصدرت الصحيفة التي كانت أسبوعية في 1957م واستمرت حتى 1969م. وسرعان ما أحس القراء بخطها الهجومي «الحاد» الذي يصفه البعض بأنه أحياناً يأخذ الطابع الشخصي وهذا ما دفع بالكثيرين إلى طرح الرأي القائل بأنها كانت صحيفة جريئة لدرجة «الإثارة»، لها خط تحريري واضح ساطع كالشمس.
استقراء التاريخ:
كان لا بُدّ لنا من استقراء التاريخ من خلال الإفادات التي قدّمها الأستاذ الكبير أحمد محمد الحسن الصحافي والناقد الرياضي المعروف وكان من طاقم صحيفة «الناس» وعمل مشرفاً على القسم الرياضي.. استناداً على العمل القيم الذي رمت بثمره الأستاذة هويدة سر الختم، حيث قال الأستاذ أحمد عن الصحافي «مكي الناس»: «كان لا يعرف المُستحيل ويسعى لحل أي مشكلة تصل إلى الحد الشخصي، وكان يهيئ لكل العاملين في الصحيفة كل ما يذلل لهم عملهم، كان يحترم الصحافيين العاملين في الصحيفة ويحافظ على كرامتهم، وكان له شفافية في التعامل». وقد عُرفت عن «الناس» أن العديد من الشخصيات ذات الميول المُختلفة قد خطت في صفحاتها الكثير من المواضيع وقد عمل بها إلى جانب الأستاذ أحمد محمد الحسن الدكتور منصور خالد، والأستاذ خالد أبو الروس الذي كان يحرر الصفحة الفنية. والأستاذ حسني حواش الذي عمل مديراً لتحريرها، كذلك الأستاذ أحمد باشري الذي كان مسؤول الأخبار الخارجية للصحيفة إلى جانب الأستاذ السر قدور في الفن والرياضة، وأستاذ الأجيال صالح سراج. وقد عُرف عن «مكي الناس» بانتمائه إلى حزب الأمة، وقد كانت له صداقات وعلاقات مع أغلب ألوان الطيف السياسي في السودان منهم الدكتور منصور خالد، والأستاذ عبد الخالق محجوب.
قصة النهاية:
نورد في هذه المساحة الإفادات التي وردت المتعلقة بتفاصيل الأيام الأخيرة للأستاذ مكي محمد مكي حيث تقول الإفادة «أراد نظام مايو إرهاب المُعارضة التي نشطت في الخارج عقب نجاح الإنقلاب وبدا التصدي لها - كان عثمان خالد مضوي، ونصر الدين السيد، وعمر نور الدائم، ومحمد مكي محمد، في قصر الحكم في إحدى دول الجوار للبحث عن المال والسلاح لدحر الانقلاب الشيوعي في السودان وكان ذلك في الأسبوع الأخير من شهر مايو 1969م - كان حسين الهندي قد تسلل إلى أثيوبيا واتصل بعثمان خالد، استشاط غضباً عندما علم أن محمد مكي رابعهم وطلب منهم «توزيع» محمد مكي فورا - طلب عثمان خالد من محمد مكي أن يذهب إلى بيروت لبدء إطلاق نشاط إعلامي مُساند للمُعارضة ولكي تتم «حبك» حيلة إبعاده من غير أن يشعر بها «مكي» تم تزويده بمبلغ عشرة آلاف جنيه استرليني وطار «مكي» إلى بيروت لتنفيذ ما اتفق عليه مع المجموعة المذكورة. شعر نظام مايو بخطورة تحرك المثعارضة المُبكر واختار ضربها وهي في المهد فكان محمد مكي صيداً سهلاً لوجوده في بيروت، والتي كانت يومئذ تعج بالاستخبارات وسهولة جمع المعلومات، وقد أُختطف مكي الناس في ديسمبر 1969م بعض المُسلحين الفلسطينيين من أمام مقهى في شارع الحمراء في بيروت وأجبروه على ركوب سيارة عبرت به الحدود إلى سوريا ومن هناك وعلى حسب رواية يوسف الشريف في كتابه السودان وأهل السودان - طاروا به إلى عدن ومن ثم إلى الخرطوم. تضاربت الروايات حول مصير محمد مكي بعد وصوله الخرطوم - استلمه في مطار الخرطوم جنود من سلاح المظلات ونقل لمزرعة في الباقير حيث تعرض لأبشع أنواع «التعذيب» لانتزاع معلومات منه عن المعارضة وتحركاتها ثم قتل بعد ذلك - وهناك رواية تقول إن جثمانه أُذيب في حامض كيمائي وكان هذا النوع من الاغتيال ديدن ثابت لكل الأنظمة العربية يومئذٍ - هكذا كتبت الأقدار النهاية الغامضة للصحافي محمد مكي محمد حسين غموضاً في غموض، وهي سخرية الأقدار أن يعم الظلام على مشعلي القناديل
منقول من موقع الاحداث .