قصة ايسب وهيلةايسب وهيلة ملحمة للشاعر الكبير مكي علي إدريس في تقديري تعتبر هذهالملحمة من أجمل القصائد التي كتبت في الأدب النوبي ومقارنة بالشعر العربي تعتبرمعلقة في الشعر النوبي حيث استطاع هذا الفنان بإلقاء الضوء علي كثير من القضاياالاجتماعية والسياسية والاقتصادية من خلال القصيدة وذلك بإلمامه الكبير بالثقافةوعادات وتقاليد وتاريخ الإنسان النوبي وبحسه الشعري العالي وخياله الواسع ومقدرتهعلي تطويع الحروف والكلمات والجمل حتي اخرج لنا هذا العمل الكبير الذي حقيقة يحتاجإلي بحث ودراسة كبيرين وأيضا لابد من ذكر إضافة الشاعر الأستاذ محمد مختار عبدونحيث كتب رد للأستاذ مكي عندما انهي الملحمة بجنون ومختار معروف بتفاؤله الشديد فيالحياة من خلال أشعاره حيث أضاف لون آخر للقصيدة سنورده إنشاء الله , وقد كنت اسمعمنذ زمن انه كانت هنالك محاولة من الأستاذ والشاعر الكبير المرحوم عمر الطيب الدوشبان يترجم هذا العمل إلي عمل مسرحي كبير ولكن لم تتم الفكرة ربما لوفاته أو لسبب لااعرف حقيقة ما السبب وراء عدم اكتمال الفكرة 0
محور القصيدة تدور عن قصة حب بينايسب وابنة عمه هيلة ولا ادري ما السر وراء حب أبناء العمومة التي تتحول إلي قصةيتداولها الناس في العصور المختلفة في مختلف الثقافات فمثلا عنتر وعبلة وقيس وليليحتي روميو وجولييت0
وسأحاول رغم تواضع خيالي ومعرفتي باللغة ومقدراتي في صياغةالقصص بسرد هذا العمل في شكل قصة أتمني أن تنال إعجابكم ورضاكم وأتمني من الملمينبتفاصيل هذه الملحمة إضافة ما يرونه مناسب وتوضيح ما لم استطع توضيحه حتي تعمالفائدة ولتوصيل هذا العمل إلي أذهان الناس بما يليق ومستوي وعراقة هذهالملحمة0
فالي القصة:-
ولد ايسب في مكان موحش بعيد عن مركز القرية في بيت يقعفي أطراف القرية وقبل أن يصل ايسب سن الرشد خطف التمساح والده وصار يتيما دون أبوبعد فترة وجيزة زوجو والدة ايسب لرجل يدعي موسي تكروني وهو غريب بطبيعة اسمه رغمان الزواج من غريب في المجتمع النوبي سابقا كان مرفوضا ولكن لضيق الحياة وصعوبتهاوظلم العمدة زوجو والدة ايسب بالغريب لتسطيع ان تربي ابنها ايسب
وكعادة الأطفالفي المجتمع النوبي كان ايزب وابنة عمه هيلة يرعيان البهم معا وهنا بدا الحب ينموبينهم رويدا رويدا0
كان الناس جميعا يعملون في مزرعة العمدة ( قورتي) لا يسطيعاحد أن يملك شئ كل مجهودهم يذهب إلي دوار العمدة كانو يعملون في تنظيف النخيل وجنيثمارها وزراعة المحاصيل مقابل قليل من المحصول لا تكفيهم أيام معدودات وكان تعاونالأهالي بينهم هو سر بقاءهم جميعا يشتركون في الوجبة الواحدة لقلةالطعام0
وبمرور الأيام كبر ايسب وقوي عوده وكغيره من الشباب عمل مزارعا في مزرعةالعمدة حيث لا عمل إلا لدي العمدة وكان يعمل بجهد في الشتاء القارص لزراعة القمححيث لا ملابس كافية تقيهم من شدة برد شهر طوبة سوي نار الحلفا ( هبري) التي لا تدومطويلا0
ومعروف شهر طوبة بجفاف البرد مع الرياح الكبيرة وبرد هذا الشهر من شهورالشتاء يشقق جلد الإنسان حتي يسيل الدم من الوجه وأطراف اليدين والرجلين وكان ايسبكذلك ورغم هذه الظروف البيئة السيئة وظلم العمدة علي المزارعين وخوفهم من سلطانهوجبروته وسط كل هذه الظروف وقع ايسب في عشق بنت عمه هيلة هذا العشق الذي كان ينسيهقساوة الأيام والظروف ويدفعه ليشجع المزارعين والمضطهدين من اهله الي الثورة ضد ظلمالعمدة
اتخذ ايسب (الكودي) وهو بئر كبير يستخرج منه الماء بواسطة الساقية ( الاسكلي) للزراعة مسكن له ومن شدة عشقه كان يغني ايسب لهيلة وهو علي الساقية وكانصوت الساقية يدخل في أذنيه كصوت الطمبورويتخيل حركة جريد النخيل برقصة الشباب معالصفقة وكان يبكي من شدة الوله والحب متوسدا حضن هيلة بخياله ليستريح قليل منالشقاء والشعور بالظلم0
وبعد مرور الأيام وكل منهم يحمل في داخله حبه الكبيرتجاه الآخر دون البوح به لبعضهم او لغيرهم جاء زمن الحصاد حصاد البلح حيث العملجماعي كل الناس يعملون الصغار والكبار نساءا ورجالا وقد استعد ايسب لهذا الموسمبأفخم الثياب الذي يمتلكه وتحرك إلي مكان الحصاد واضع في خياله لقاء محبوبته التيطالت المدة من رؤيتها وأيضا هيلة المتيمة الجميلة بين قريناتها ذهبت إلي الموقعومناها ان تري ايسب0
وبطبيعة التعاون بين أهل القرية استنجد أهل (ساب) وهونهاية القرية بايسب بان يحصد لهم نخلة طويل يصعب علي أي احد أن يتسلقها ولبي ايسبالدعوة بطبيعته السمحة في مساعد الناس وتسلق ايسب النخلة وبدا في حصدها لكنه سقط مناعلي النخلة وفي يده خنجره الذي يحصد به وهنا لم تسطيع هيلة تحمل ما حدث أمامعينيها فسقطت عليه دون أن تشعر وهي وتصرخ هنا في هذه اللحظة كشفت هيلة حبها لايسبوللناس جميعا ولاول مرة , صرخ النساء جميعا وتجمع الشباب ونسوا جميعا حصادهم وبداوفي اسعاف ايسب من الكسر وكان العلاج المستخدم هو الكي بالنار ورغم صعوبة الناروحرارته لم تؤثران في ايسب مثلما اثر حب هيلة الذي كان يخفق قلبه اكثر من حرارةالنار وهيلة المسكينة لم تذق عيناها الجميلتين طعم النوم والراحة وضاق بها المكانطول فترة مرض ايسب 0
هكذا كانت بداية حبهم وماساتهم قساوة الطبيعة والظروف وظلمالعمدة علي المزارعين وما يصنع بهم خوفهم0
رغم كل هذه الظرف كان حبهم صافياكصفاء ماء جوف البئر كان كل منهم يسعد الآخر بحبه وكان من يراهم يدعو لهم بالزواجدون ان يحسدوهم كلهم فرحون من اجلهم وايسب يحدث الناس ان موعد الزواج من هيلة بعدالحصاد كعادة الشباب والتقاليد في المناطق النوبية دائما الزواج مرتبطبالحصاد0
والوضع كما هو الناس كما هم خوفهم وسطوة العمدة وجبروته , يمنع لهمالمشرع اي طريق عملهم للناس يتركوه ويسلكون طريق آخر, يمارس عليهم الجلد لا احديرفض يمارس ما يحلو له من أنواع التعذيب الي متي ايها الموتي والموت واحد يحدث ايسبنفسه وهو بعيد عن القرية في مكان يسمي ( نب دكر) أي مكان الذهب0
بعد ان وصلالجبروت زروته للعمدة قرر بالزواج من هيلة , وانتشر الخبر بين الناس لم يفكر احدبالرفض من اهالي القرية او حتي يرسل لايسب الذي ذهب لاحضار (البربيق) من نب دكربالخبر , البنات يهمسون لبعضهم في الحقول همسا لكي لا يسمع الواشون بالحديث وينقلونحديثهن للعمدة ويكون لهم الجزاء الشديد يتهامسن بان هيلة تبكي وممتنعة عن الاكلوالشرب تعبيرا عن رفضها بالزواج من العمدة كان الامر عليها قاسيا كيف تتزوج منالعمدة وحبها لايسب كيف لكن ليست لديها ولا لاهلها الارادة والقدرة في الرفض لاوامرالعمدة خوفا من بطشه وجبروته فكرت هيلة في قتل نفسها , لم يسطيع احد ان يقف في وجهالعمدة رغم قوتهم الكبيرة ورغم اعتراضهم لهذا الوضع 0
اخيرا تحرر احد المزارعينالضعفاء من خوفه وغني وبدا يثير الناس بان كلام ايسب لم يؤثر فينا وصار كلامه غناءانتغني به وفشله في جمعنا وتوحيد كلمتنا وخوفنا من العمدة افقده عقله 0
وغني اخروهو يصنع الحبل يتمني الهلاك ويتوعد لمن يتحدث عن ايسب بسؤ وينعته بانه خارج عنديننا وانه سيري السؤ في ابناءه وزرعه 0
ورد اخر وهو ينتمي الي العمدة ومن الذينباعو انفسهم للعمدة ويفتخر بذلك يقول لهم ايها الجبناء الضعاف هل لكم القدرة فيمواجهة العمدة وانكم ضعفاء مثل الزرع الذي بعث فيه الروح0
ورغم ظهور بعضالاعتراضات من الاهالي الا ان العمدة قرر الزواج وبدات المراسم حيث العزومة الكبيرةحضر جميع اهل القرية في ديوان العمده الكبيرة , النساء يقومون باعداد الطعام كعادةالنوبيين في المناسبات والرجال متراصين في صفوف في انتظار الوجبة دون ان يغسلواايديهم اتي النساء بالطعام ( بالفته) , اكل الجميع ونظفوا ايديهم بالمسح علي الراس , بعد وجبة الطعام اتو بهيلة العروسة وسط غناء الشباب ورقص الكبار الي بيت العمدةوهي تبكي وبدون سبب بدا اعوان العمدة بضرب المواطنين وهرب الجميع حتي النساء هربواوهن خائفات
أخيرا وبعد أن وقعت الكارثة فكر الناس في الكتابة إلي ايسب بما جري, وهم منهمكون في الكتابة حضر ايسب فجأة وجمع الناس حوله لمقاومة العمدة وأخرجهم منخوفهم وبدأت معركة كبيرة بين أعوان العمدة والمزارعين بقيادة ايسب بذلوا ما فيوسعهم حاربوا أعوان العمدة كسروا السقوف واستبسلوا ولكن كانت الغلبة للعمدة وأعوانهبما لديهم من عتاد وقوة كسروا المنازل وضربو الشباب والعجائز حتي الأطفال لم ينجوامن الضرب واختفي من اختفي وهرب من هرب وهم يصرخون بضربات عسكر العمدة 0
من تلكالليلة المشؤمة اختفي ايزب لم يراه احد يتهامس البعض انه ما زال حيا ولم يقتلوهوبعضهم يقول إنهم راو عسكر العمدة بأعينهم وهم يضربون ايسب ويرمونه في النيل بعدقتله, لم يبحث عنه احد خوفا من العمدة صار مكانه مجهولا للناس هرب ايسب إلي الجبالعلي رأي مكي وهنا ملاحظة الأستاذ محمد مختار عبدون جعل مكان ايسب في جزيرة قريبة منالحي وكان يذهب أيضا إلي الجبال ليتعلم الصراع والقوة والشجاعة بتدريب نفسه وسطالذئاب 0
استسلم الجميع والد هيلة لا يدري ماذا يقول وفي حيرة من أمره يبكي ايسبفي ديوان العزاء (موسلين كري) ملاحظة أن والد هيلة مجهول , وهيلة المسكينة حدثتنفسها بان هذه قسمتها من رب العالمين واستسلمت للحال تندب حظها بزاوجها من العمدةورجع المزارعين الي مزارعهم بداية موسم زراعة القمح ونسوا حتي اسم ايزب0
من فترةلاخري يتغني البعض بشهامة ايسب وقوته وفي نفس الوقت يبكي حظهم وضياع ما زرعه ايسبمن قوة في نفوس المزارعين بعد أن اتخذ ايسب وسط الجبال مسكنا له ..
لم يفكر احدفي ايسب لقد نسوه تماما عشرة سنوات غاب عن القرية عشرة سنوات عدت كغمضة عينللمزارعين وبعد العشرة سنوات طلق العمدة هيلة وصارت هيلة حرة النساء يدخلن عليهايواسينها كعادة النساء في حالة طلاق إحداهن يخففو عنها وطأة الطلاق , والأطفاليلعبون خارج البيت فرحين0
وعندها عاد ايسب من الجبل بعد طلاق هيلة من العمدةرأوه الأطفال وهو قادم بمجري السيل ( فركي) يتابعونه وهم خائفون من منظره كان ضعيفاجدا ثيابه بالية تبدو علية المعاناة والتعب ( سولي ), النساء فرحين بعودته وأيضامتحسرين بوضعه ومنظره ويقدمون له الطعام 0
عاد ايسب في حالة يرثي لها, جميع ملابسه ممزقة عاري الكتفين , شعره كثيف ومن شدة الكثافة به طبقات , أظافره طويلةجدا جدا , لا يستطيع الكلام , ينظر إليهم بعيون صغيرة يدل علي التعب وهو صامت وخائف 0
اخرج التمباك ووضع قليل منه في فمه ودون أن يتكلم عاد ايسب من حيث أتي كالسراببعد أن تأكد من خبر الطلاق والناس ما زالو مندهشين من منظر ايسب0
كانت هيلة هيالزوجة الثامنة للعمدة فقد كان يتزوجهن ويطلهقن دون حسيب أو رقيب يفعل ما يشاءيتزوج من يشاء ويطلق من يشاء 0
ولكن ايسب لم يسكت بل كان يعود في الخفاء يحرضالمزارعين لمقاومة العمدة لكنه لم يجد التجاوب من المزارعين ولم يجد من يقف معه فيوجه العمدة لأنهم جميعا خائفون من بطشه وظلمه وقد جن ايسب بعد فشله في الإقصاءبالعمدة وإعادة الحرية المسلوبة للمزارعين ولم يستطيع تحمل كل هذا الاسي فلذا اختارالجنون 0
وقال الأستاذ مكي أن ايسب اختار الجنون بمحض إرادته وليست غصبا عنهلأنه في رأيه الجنون فيه كميه اكبر من الحرية علي حد قوله ولكن هل اختيار الجنون هوحل للمعاناة أم هروب من مواجهة الواقع والصراع المستمر مع الظلم ومع العمدة والسلطة؟؟؟؟
منقول