hamdyhassan المدير التنفيذى
عدد المساهمات : 1012 تاريخ التسجيل : 29/06/2009 العمر : 57 الموقع : hamdyhassan954@gmail
| موضوع: «قُسْطُل وأدندان».. بوابة أفريقيا «المهجورة» الإثنين مارس 12, 2012 9:21 pm | |
| «قُسْطُل وأدندان».. بوابة أفريقيا «المهجورة» قام بالرحلة وصورها أشرف جمال ١٢/ ٣/ ٢٠١٢ «العبارة» وسيلة النقل الوحيدة للأهالى «رفضنا العيش فى منطقة التهجير.. فأضحينا نواجه شبح الانقراض ثمناً لإصرارنا على البقاء فى بلادنا القديمة».. إنهم البقية الباقية من سكان قريتى «قسطل وأدندان» الواقعتين على نهاية حدود مصر الجنوبية، فى منطقة لم تتصل بالوطن «براً» حتى الآن، حيث تقع على الطرف الشرقى لبحيرة ناصر، ويفصلها أكثر من ١٠ كيلومترات عن مدينة أبوسمبل السياحية، تقطعها «نهراً» بواسطة عبّارة متآكلة يقضى راكبوها نحو ساعتين فى انتظار «الموت غرقاً».
من تبقوا فى هاتين القريتين بنجوعهما لم يتجاوزوا من الآلاف ما يعادل أصابع اليد الواحدة، بعد أن هجرهما قاطنوهما عنوة إلى قرى التهجير بأسوان، فى الفترة ما بين ١٩٦٣ و١٩٦٤ يعيشون حياة أقرب لتلك التى كان يعيشها الإنسان الأول فى العصور الحجرية، فلا مياه نظيفة ولا مخبز، ولا كهرباء ولا تعليم ولا توعية دينية، ولا صحة، بل لا رابط بينهم وبين الحياة سوى عبّارة تابعة لهيئة تنمية بحيرة ناصر، وهى غالباً ما تتوقف إما لعيوب فنية أو لنقص فى السولار.
وتتمتع «قُسْطُل»، التى تعنى إما «الغبار الساطع» الناتج عن حرب، أو «أنبوب يجرى فيه الماء»، بموقع فريد شرق بحيرة ناصر خلف السد، حيث تعد هى و«آدن دان» التى تعنى بالنوبية «عرين الضبع» بوابة مصر من ناحية الجنوب، فتتكونان من عدة نجوع قائمة على الزراعة، ورغم الهجرة إلا أنهما لم تتخليا عن هذا النشاط، خاصة أن مساحة الأراضى الزراعية فيهما تتخطى «٨٥٠ فداناً»، جميعها بات يفصلها عن البوار أيام معدودات، لما تعانيه من شح حاد فى الماء، دفع من عاد للقريتين طامحاً إلى حياة أفضل إلى الردة لقرى التهجير، حيث الحياة المصطنعة، وفق ما يصفون.
قصة التهجير بدأت، كما يرويها رمضان مكى، أحد أدباء النوبة-الذى التقيته فى أبوسمبل- بمخطط وضعته جهة أمنية عليا، ونفذه مندوبان عنها كانا يدعيان «أبوطالب»، وكان «بلطجى»- حسب قوله- وعبدالرحمن فريد، اللذين صالا وجالا فى كل القرى لجس نبض الناس حول فكرة التهجير، وكانا يسعيان دائماً لمضايقة التجار والناس، وقاما بعمليات تخريب فى أبوسمبل وبلانة وجميع قرى الشرق بمعاونة مجموعة من البلطجية.
«رمضان» يضيف: «كان الهدف من ذلك معرفة طبيعة سكان هذه المناطق، وما إن كانوا مسالمين أم لا، والوقوف على مدى ردة فعلهم إزاء مخطط التهجير، الذى تم حينما أتوا بالصنادل البحرية، وقاموا بنقل الناس من ٤٣ قرية إلى نصر النوبة، باستثناء بعضهم الذين نزلوا إلى أبوسمبل ورفضوا الذهاب لنصر النوبة، ثم عادوا مرة أخرى إلى قسطل وأدندان، وأصروا على البقاء فى أرضهم».
ويزيد: «فى هذه الأثناء حاول حزب العمل مساعدتهم بقيادة إبراهيم شكرى، لكن السادات لم يكن يرغب فى أى وجود لأى حزب، فبدأ يتحرك نحو أبوسمبل وبدأ يفكر فى إعادة أهالى النوبة المهجرين، وتطوير قراهم، فعاد الناس إلى قسطل وبدأوا يستقرون، وعاونتهم هيئة تنمية للبحيرة كثيراً، إلى أن توقف كل شىء بعد موت السادات».
ويتابع «رمضان»: «بوفاة الرئيس السادات الذى نحبه كثيراً توقفت أى فرصة للتنمية فى المنطقة وتدهورت الأحوال هناك تماماً، وتوقفت حركة التجارة، بل بدأ التضييق الأمنى، وحتى المياه كانت تعتمد على بئر واحدة، توقفت ولا يستطيع السكان الشرب، بالإضافة إلى الأراضى التى ماتت وتجرفت».
ويعتبر «رمضان» والمئات غيره الرئيس الراحل أنور السادات أحد القادة الذين سبقوا عصرهم وتمتعوا بـ«بعد نظر»، فيقول سامى سر الختم: «السادات حب يرجّع الناس فبنى لهم قريتى السلام والشهداء، وبالفعل بدأ النوبيون فى العودة، لأن وجهة نظر الرئيس وقتها إن الناس هى اللى هتعمر الحدود، وإن أبوسمبل وقرى النوبة ممكن تبقى بوابة أفريقيا، وهو ما يحقق مكاسب سياسية واقتصادية كبيرة جداً».
ويضيف: «الصورة تحولت للنقيض بعد وفاة السادات، وأعاد مبارك إقصاءنا ثانية، لدرجة أن الدولة حينما بدأت مشروع توشكى أتت بعمال من كل المحافظات ولم تستعن بأبناء النوبة نهائياً.
«الحكومة السودانية نفسها تسعى لتفتيت النوبة».. بهذه الكلمات تدخل آدم إبراهيم، مزارع، مؤكداً أن «الخرطوم لا تريد وضع النوبيين بجانب بعضهم البعض، خوفاً من فكرة الانفصال، ولذا بدأوا فى تقطيعنا وتمزيق بلادنا، لكنها لن تتقطع بل ستتسبب فى خلق منطقة حرب بين السودانيين والمصريين». عدد من سكان هاتين القريتين الذين التقيتهم يعتبرون العبّارة التى ظلت تخدمهم طيلة الأربعين عاماً الماضية شريان الحياة الذى ينزف، وبات على مشارف الموت، موضحين أنهم لكى يعبروا البحيرة لابد من إحضار برميل للجاز وآخر للزيت، حتى تستطيع العبارة أن تتحرك من الغرب إلى الشرق والعكس.
عوض الله صديق، أحد مشايخ عبابدة قسطل يقول: «مجلس مدينة أبوسمبل كان بيصرف حوالى برميلين ونصف البرميل من الجاز كل يوم ثلاثاء، لكن اليوم توقف عن هذه الحصة بدعوى عدم وجود أى دعم من المحافظة، خصوصاً أنهم يعتبرون هذه المنطقة ليست تابعة لهم، بل تتبع هيئة تنمية بحيرة ناصر».
«ما الحل؟».. سؤال توجهت به لأسعد عبد المجيد، رئيس مدينة أبوسمبل السياحية، خلال لقائى به، فكانت الإجابة أشبه بقرارات النيابة فى أفلام السبعينيات: «يبقى الوضع على ما هو عليه»، حيث قال: «حاولت جاهداً حل مشكلة أدندان وقسطل، من أجل المواطنين الذين يسكنون هاتين القريتين، لكن هناك بعض العراقيل التى تواجهنى، فمثلاً بعد أن أرسلت خطاباً لهيئة تنمية بحيرة ناصر عن مشكلة العبارة، وطلبت وضع آلية تعاون بين الهيئة ورئاسة المدينة لتسييرها يومياً أو فى أيام معينة ثابتة، جاءنى الرد بأن العبارة معروضة للإيجار بمبلع ٩٠٠ جنيه فى اليوم، غير مصاريف الجاز والزيت، وبالتالى قمنا بإرسال خطاب آخر للواء مصطفى السيد، محافظ أسوان، حتى يتسنى له مخاطبة الجهات المختصة».
أمام تلك المعضلة أجريت عدة اتصالات أسفرت عن الوصول لأحد قيادات هيئة تنمية بحيرة ناصر، فحملت إليه صراخ وهموم قاطنى قسطل وأدندان، فقال مشترطاً عدم ذكر اسمه: «الهيئة تحولت من هيئة تنموية خدمية إلى هيئة استثمارية تابعة لهيئة التعمير والتنمية الزراعية، ما يعنى أن العبارة وغيرها من معدات وأصول ومشروعات أصبحت رأس المال الذى يأتى برواتبنا، ومن ثم كان من الضرورى الاستغناء كرهاً وليس طواعية عن جميع البنود الخدمية التى كنا نقدمها للمواطنين فى منطقة أدندان وقسطل، أو أى منطقة أخرى تابعة لنا».
«نحن نموت بلا ثمن».. كلمات يائسة خرجت فى هدوء يعكس استسلام وتشاؤم حمدى كامل، أحد سكان نجوع قسطل، الذى قال: «أجدادنا وآباؤنا كانوا يتباهون بنخيلنا الذى كان الأجود فى العالم قبل التهجير، وحينما سنحت الفرصة لكى نعود لنعيد أمجادنا الزراعية قوبلنا بتعجيز وتجاهل عمدى لا يطيقه بشر، فأصبحنا نودع كل يوم عشرات الأفدنة بخلاف ما نلاقيه من صعوبات حياتية جمة، أهمها انعدام وسائل النقل إلى أبوسمبل، حيث الحياة، وكذلك انعدام وسائل التنقل بين قرى ونجوع قسطل وأدندان، إضافة إلى الغياب التام لقطاعى الصحة والتعليم، باستثناء مدرسة وحيدة للتعليم الابتدائى».
يضيف «كامل» وقد كسا وجهه أسى تُرجم إلى دموع اغرورقت بها عيناه : «منذ عدة أسابيع فقدنا ابن أخى، وكان طفلاً لم يتجاوز العاشرة من عمره، بعد أن لدغه عقرب ليلاً ولم نستطع نقله إلى أبوسمبل لتوقف العبّارة، فكان الثمن أن لفظ أنفاسه الأخيرة ليلحق بالعشرات بل المئات ممن أزهقت أرواحهم هباءً».
ما بين تبعية «قسطل وأدندان»- اللتين زارهما رئيسان لمصر هما محمد نجيب عام ١٩٥٣، وأنور السادات عامى ١٩٧٨ و١٩٧٩-لهيئة التنمية أو مدينة أبوسمبل يعيش سكان القريتين تحت خط الفقر، غائبين تماماً عما تشهده مصر من انتصارات ديمقراطية بعد الثورة المجيدة، ومع هذا يبقى أملهم الوحيد- حسب مصطفى شلفاق، أحد سكان أدندان- فى تشغيل الميناء الخاص بالقوات المسلحة وعبّارتها.
وعن الحياة فى قسطل وأدندان يقول «شلفاق»- الذى يعمل مزارعاً- بلغة عربية شديدة التأثر بلغة نوبة قسطل، وهى «الفادجة»: «إن الزراعة ليست آمنة إلا على مبعدة من شواطئ قسطل، لأن مستوى البحيرة دائم التغير. ولا نملك المال اللازم لضخ الماء لأرض أعلى من مستوى البحيرة».
ويضيف: «استغثنا كثيراً بالحاكم العسكرى فى أسوان والمحافظ ورئيس هيئة تنمية البحيرة لإصلاح بير قسطل الذى تعطل موتوره منذ أكثر من عام، وتوقف عن مد الأهالى بالماء ورى الأراضى والنخيل الذى يعد من أجود الأنواع، ومنذ هذا التاريخ أبلغنا جميع الجهات المسؤولة بالهيئة دون أن تتم الاستجابة لنداءاتنا، بل عرقلوا محاولاتنا لإصلاحه».
نقلا عن المصرى اليوم http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=331182 | |
|