علوبة قسطل
عدد المساهمات : 57 تاريخ التسجيل : 26/12/2009 العمر : 59
| موضوع: النوبه بناة الاهرامات في مصر والسودان الأحد ديسمبر 27, 2009 12:13 am | |
| [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] السودان .. رجل أفريقيا المريض كما أطلق عليه الاستعمار ..الواعد حديثا بنهضة تعيد إليه سيرته الأولى .. أكبر دول القارة الأفريقية مساحة .. بين غرابة شعوبه وقبائله ما يثير الخيال، حيث تختلف الألسنة والوجوه في بلد خارطته البشرية في تباين رباني متجانس ورائع .. بين السودان ومصر أو "أم الدنيا" كما يحلو لشعبها الطيب تسميتها تعيش شعوب النوبة. الحاضر بين الدولتين يبشر بسد ثغرات الجوع والعطش في المستقبل لقطاع بشري كبير، في ظل تعدد مصادر المياه وخصوبة الأراضي والأيدي العاملة المدربة على الزراعة منذ أزل التاريخ. ينبع النيل من خط الاستواء الذي يقسم العالم إلى نصفين، وينسج المطر بهطوله شبه الدائم شبكة من مياه الأنهار الصغيرة تتجمع لتكون روافد تكون بدورها نهري النيل: الأبيض القادم من الجنوب والأزرق القادم من الشرق واللذين يلتقيان عند الخرطوم، ومع سطوع أشعة الشمس وبهاء بسمتها يجري نهر النيل شمالا .. ذلك الذراع الأخضر.. ويعد بشبكة فروعه النادرة النابضة بالدفءالرحم الواصل بين عدة قبائل زنجية الأصل يتأرجح نشاطها الاقتصادي بين الرعي والزراعة ... فقبائل الهدندوة رغم كونها في الشرق عرفت ضمن قبائل السودان النوبية في وقت ما .. ولكن الشعوب النوبية التي بنت الحضارة الموجودة في شكل قلاع وحصون وأهرامات أشهرها داخل الأراضي السودانية الشمالية من "دنقلا" وحتى "أسوان" جنوب مصر . الزراعة حرفة أساسية لدى تلك القبائل وعلى خريرالمياه من "السواقي" استقروا منذ آلاف السنين يعملون معاول الخير في الجروف النيلية الضيقة المساحة الرحبة بهم، المتأمل لماضي النوبة وحاضرهم يجدأن الوحدة الحضارية والجغرافية الفريدة قد تعرضت للتشرذم عمدا .. فحكومات مصر والسودان بنت سدوداً مصطنعة متمثلة في " سدي أسوان ثم السد العالي" دون دراسة كافية للكارثة التي ستحل بالقبائل النوبية المتمثلة في تهجيرهم من قراهم بعد أن غمرتها المياه "بحيرة النوبة أو ناصر" التي تعد البحيرة الصناعية الأكبر في العالم والتي رقد تحت مياهها أثمن ما في الإرث النوبي الكبير من آثار حضارات كانت موجودة بالمنطقة . وكان الاستعمار البريطاني قد رسم الحدود السياسية في منتصف منطقة النوبة ليقع جزء في تبعية مصر والآخر في السودان. ربط شكل العادات والتقاليد والأعراف الضاربة في جذور التاريخ إلى ما قبل ثلاثة آلاف عام والتي ماتزال حية إلى الآن في تلك الشعوب الطيبة كانت الدافع لتكون ورقتنا الملونة التالية فأهلا بكم. تركت تحولات القرون بصماتها على تلك المنطقة، فمنذ فجر التاريخ، على جانبي النيل عبر طرفي الحدود بين مصر والسودان بنى النوبة أو الفراعنة السمر ، مملكتين عظيمتي السؤدد "كوش ونبتا" ودانت لهم المنطقة من الشلال النيلي السادس شمال الخرطوم وحتى "ممفيس" حاضرة الفراعنة المصريين جنوب القاهرةالحالية التي انتزعوها من الليبيين المسيطرين في ذلك الوقت. المدافن الملكية والموجودة على شكل أهرامات في منطقة "المصورات والنقعة " حيث عبد الوثنيون "أباديماك" الذي له جسم حيوان ووجه طائر في اختلاف عما قدسه المصريون القدامى من عبادة "آمون" في حقبة مزدهرة امتد حكمهم فيها زهاء المائة عام في القرن الثامن قبل ميلاد المسيح عيسى عليه السلام . استطاع ملكهم "بيي" أو "بعانخي" إكمال ما بدأه والده "كاشتا" من فتوحات نحو مصر في الشمال فضم وتوسع حتى وسط شمال شرق أفريقيا جنوبا نحو "الحبشة" وبعد وفاته حكمت زوجته "أيكيريا" أو "الكنداكة" كما يحلو لأهل السودان تسميتها في أول شكل متقدم لحكم المرأة لمثل هذه القبائل العنيدة عبر التاريخ ثم الملك "طهراقة"، ثم انتقل النوبة إلى عبادة آلهة الشمس الوثنية مثل "آمون" عن فراعنة مصر وشيدوا أهراماتهم ذات الألغاز المحيرة هذه المرة في مناطق "مروي ونوري والكرو والبر كل" عند منحنى النيل شمال نهر "عطبرة" في منطقة تقطنها الآن قبيلة "الشايقية" ذات الأصول المنحدرة من الجزيرة العربية في دلالة على التعايش السلمي الذي يمثل جوهر النوبي إذا لم يعتدي عليه. بين النصرانية والإسلام تحولت المنطقة من الوثنية للمسيحية التي أتت إليها من خلافة الدولة الرومانية الأرثوذكسية المذهب على مصر في عهد الإمبراطور "جستنيان"، فقامت في السودان مملكتان مستقلتان متنصرتان أحدهـما "علوة" وكانت عاصمتها في منطقة النوبة وبالتحديد قرب مدينة "دنقلا" شمال السودان وجنوب الحدود المصرية الحالية والأخرى وقد وجدت آثار كنائسها في "بوهين" و "صرص" والأخرى "المغرة" وكانت عاصمتها "سوبا" ودان لهم الحكم حتى "سنار" جنوب النيل الأزرق . وعندما منّ الله على المسلمين بفتح مصر في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، سير الحملة الأولى لتطويع قبائل البجا والنوبة من الإغارة على صعيد مصر بقيادة "عقبة بن نافع الفهري" عام 641 م ولكنه وجد مقاومة عنيفة من النوبة الماهرين في استخدام السهام حتى سماهم المسلمون "رماة الحدق". تبعتها حملة سيرها حاكم مصر في ذلك الوقت من قبل الخلافة الإسلامية الصحابي "عبدالله بن أبى السرح عام 652م" عقدت مع النوبة اتفاقية "البقط" الشهيرة التي دفع بموجبها ملكهم "قاليدوروث" الجزية من العبيد لدولة المسلمين ومن بعدها تقوضت دولة النوبة لضعف ملوكها وأضحت بلادهم موطنا لبطون القبائل العربية الوافدة إليها من مصر شمالا ومن الجزيرة العربية عبر البحر الأحمر. سمات القبائل النوبية استجد عليها اللسان العربي بعد دخول العرب وهي الآن ممتدة في شريط على الحدود بين مصر والسودان تجمع بينها قواسم مشتركة تتمثل في لسانها الأعجمي ولغتها المكتوبة والمقروءة البالغة القدم .. واحتضان ضفاف النيل لقراهم الوادعة .. في منتصف الطريق بين منبع النيل ومصبه تسكن القبائل النوبية ويقول المؤرخون ان كلمة "نوبة " مشتقة من "نوب" وهي في اللغة "الهيروغلوفية" المصرية القديمة تعني "أرض الذهب". يرجح أن القبائل النوبية امتلكت وقطنت عبر التاريخ أراضي امتدت من "الخرطوم" حتى جنوب الدلتا وليس فقط ما هي عليه في الحاضر وعلى الرغم من تقسيمها القبلي إلا انها مستقلة نوعا ما ثقافيا وسياسيا واقتصاديا لإقليمية المنطقة وبعدها شبه المنعزل عن السلطة المركزية في الخرطوم والقاهرة وتتزاوج فيما بينها عبر شريان الحياة "النيل" محترفين للزراعة متكاتفين اجتماعيا ويجمعهم لغة وتاريخ مشترك . يستحسن الباحثون التقسيم الديموغرافي الذي يقسم شعب النوبة على حسب الملامح وتقارب لهجة عن أخرى ففي السودان يوجد قبائل الدناقلة والمحس والسكوت والحلفاويين بينما في مصر نجد قبائل الفديجا والمتوكا وفي الحدود تماما نجد الكنوز . المعتقد بين المتوارث والحديث النوبة أقوام معتدة بإرثها التاريخي الثري حيث ساد اعتقاد بينهم بأنهم الجنس الذي أوجد قبل أقرانه على وجه البسيطة و يقال ان الفراعنة قربوهم كوزراء وعملوا بأفكارهم قبل توحدهم وغزوهم للمنطقة قادمين من بلادهم الجنوب الذي أطلق عليه "بلاد بنط" ، حيث أطلق الاغريق القدامى كلمة نوبة على الأراضي التي تشمل السودان واثيوبيا معا. النوبي فنان بالفطرة فطبيعة المنطقة والحياة على ضفاف النيل جعلته يرسم ويكتب الشعر وينحت بصورة جيدة ويظهر ذلك جليا في الطريقة الهندسية التي وجدت عليها أهراماتهم التي تعد الأكثر غموضا في افريقيا، على غرار فكرة الحياة بعد الموت تحتوي الأهرام على موميات الملك أو الملكة مع مقتنياتهم الثمينة من جواهر وخيول ومتاع ولكن ليس في تابوت كما عند الفراعنة المصريين ولكن على أسرة غاية في الزخرفة تصنع من خشب الصندل المدهون بالعطور التي مازالت من الأسرار المتوارثة عند نساء النوبة . كما تشمل سيرة ذاتية منحوتة بالصور الزاهية التلوين تبين حياة الحاكم ومنجزاته وأحيانا تأتي على شاكلة كلام منظوم أو منثور في صور شعرية متميزة، عندما يفكر النوبي في الزواج يقع الاختيار غالبا على بنات العم أو الخال أولاً لذا نجد التمازج من خارج العشائر النوبية قليل،عادة ما يستمر احتفال الزواج أربعين يوما يتم فيها تكريم العروسين وإقامة الولائم لهما من الأهل والعشيرة من خلال طقوس متوارثة من الحقبة الفرعونية يتخللها حفل خاص بحناء العروس حيث تبرع نساء النوبة في استخدام الحناء تيمنا وعلاجا وزينة . يقدم العريس عددا من الهدايا لعروسه وأمها وأخواتها عادة ما تكون من الذهب أو المجوهرات.حيث تعتد نساء النوبة بكثرة وجمال ما يقتنينه من حلي نفيسة. الهدايا تحمل على جمل يزين بالحبال الملونة المنسوجة ويزف الشباب العريس محيطين به حاملين سعف النخيل ويكون هندامه مميزا متشحا سيفا فخريا وسوطا من جلد الجمال ذو الوقع القوي قد يجلد به العريس أو أصدقاؤه الشباب في وسط ساحة العرس دلالة على القوة والرجولة ويقال ان العادة أتت مع القبائل العربية !! يميزالرجل النوبي بما يملكه من "سواقي" وهي النواعير التي تحمل الماء من النيل لتسقي به الأرض ومن أراضي زراعية أكثر مما يعتمد على نبل الأسرة التي ينحدرمنها. لنساء النوبة "وشم" خاص يتزينّ به ويسمى"الدقة" ويوشى الجلد على الخدود كما الشامة باللون الأسود أو يرسم باللون الأخضر الجبهة أو خط يمتد من أسفل الشفاه على الذقن وتتطلى الشفاه باللون الأسود باستخدام خليط نباتي حجري لا يزول. هجرات متعاقبة كتبت "الهجرة" مع النوبي عهدا مفروضا عليه منذ أمد بعيد لطبيعة المنطقة وتوسطها مناطق نزاع بين حضارات الشمال والجنوب. وسجل التاريخ تنقل النوبي صعودا وهبوطا في وادي النيل .. بإرادته حينا وحين يرحب النيل بالمياه معلنا فيضانا غير مسبوق أو لا يأتي معينه بما يسد الرمق وقليلا ما سار غازيا .. التاريخ الحديث دون النكبات التي فرضت الهجرة على النوبي والتي بان أولها مع تعلية خزان أسوان عام 1912 فقد غمر ارتفاع منسوب النيل كل قرى قبيلة الكنوز مبتلعة آثارا فرعونية نادرة وقرى كاملة مثل "دكة"و"قتة" في النوبة المصرية ..وجاءت التعلية الثانية عام 1931 لتجبر قطاعاً كبيراً على الرحيل شمالا إلى قرى "أبو سمبل وقسطل وأدندان" أو "فركة وحلفا" على الحدود السودانية وتبدل حال قبائل النوبة من غابات النخيل والأرض الزراعية الخصبة إلى العيش اما في الصحراء الكبرى الحارقة للداخل حيث هوام الأرض أوالرضى بالجروف الضيقة أعلى شمال وجنوب الوادي. جاء بناء "السد العالي" ليمثل خاتمة مطاف آثار النوبة فعلى الرغم من فائدته الاقتصادية لمصر من توليد لطاقة كهربائية تبلغ مليونين ومائة ألف واط في الساعة عوضا عن التنمية ولكن .. نامت تحت قدمي بحيرة السد التي تعد أكبر بحيرة صناعية "خمسة آلاف كيلومتر" كل ما تبقى من الحضارة النوبية التي عجز الأثريون عن تحديد قيمتها التاريخية الفعلية .. وتم بعد بنائه تهجير أهالي وادي "حلفا" أغنى المناطق النوبية وأكثرها خصوبة وزراعة إلى منطقة " خشم القربة" في شرق السودان.. الكنوز النوبية يقول المؤرخ "ليزلي جرينر" في كاتبه "فجر الضمير " .."إن انتشار المعابد في منطقة النوبة منذ العهد الفرعوني دليل على ورعهم وتقواهم فمن الوثنية تحولت المعابد إلى مساجد مع أوائل فجر الإسلام بالمنطقة .. وقد حصنت الدولة المصرية الفرعونية حدودها الجنوبية خوفا من بأس النوبة وغاراتهم ولكنهم تخطوا تلك الحصون في زمن ما وتغلغلوا حتى امتلكوا ناصية الحكم لما يقرب من مائة عام ... تعد قلعة "بوهين" مثلاً على الحصون الفرعونية وهي تقع جنوب"وادي حلفا" ويرجع تاريخها إلى 1991 قبل الميلاد ومحاطة بخنادق جافة ذات أبراج عالية وعلى شاكلتها تأتي قلاع "أبريم" و "مرجيسة" و "سمنة" و "كوبان" وفي سعي الدولة المصرية في الشمال لتحصين حدودها الجنوبية، بنت نقاط المراقبة التحذيرية داخل الجزر النيلية كتلك التي في جزيرة "صاي" بمنطقة "السكوت" والكلمة نفسها في اللغة المروية القديمة تعني "الحصن" وبها متاريس عسكرية على نمط يستخدم في الحروب الحديثة تربطها بالنيل. تأتي المعابد لتشهد على حضارة النوبي وفنه فمعبد "أبست" الذي أمر ببنائه "رمسيس الثاني" قبل 2200 عام وعرف "أبوسمبل" قد نحت في قلب ربوة من الصخر تحرس مدخله أربعة تماثيل للفرعون وعليه نقش أول ميثاق سلام من نوعه في التاريخ بين المصريين و "الخيتا" القبائل الليبية في ذلك الوقت . يأتي بعده معبد"كلابشة" الذي بني عام 30 قبل الميلاد في عهد الإمبراطور الروماني "أكتافيوس أغسطس " ووجد على جدرانه كتابات من دولة مروي القديمة وعبد فيه النوبة في الحقبة الوثنية "مندوليس" . كما يوجد معبد "الدكة" الذي بناه الملك النوبي "أرجيون" في القرن الثالث قبل الميلاد والكثير من المعابد في "دندور" و "دابور" النوبة الآن بذلت كل من السودان ومصر جهوداً مقدرة لإنقاذ الآثار بالمنطقة النوبية . فبعد أن تم رفع ما تيسر من الآثار القريبة من النيل . تم إرسال بعثات متخصصة للتنقيب عن الشواهد الأثرية الغنية بأسرارها وخاصة تلك التي في السودان . المنطقة النوبية بقاريتها وانعزالها إلا من الجروف النيلية الضيقة المكتنزة بالنخيل رمز المنطقة وبعض زراعات الذرة والقمح فرضت على الشباب النوبي الهجرة. في البدء كانت "مصر" فجريان النيل الطبيعي للشمال أهلها لتكون مستقرا لأغراض أساسية مثل التعليم والعلاج والكسب العيش. النوبي الرحال بطبعه واكب فجر تلك النهضة ولكن الهجرة بشكلها الحالي أفرزت مظاهر حياتية متباينة ، فمن ناحية أسهمت بشكل فاعل في النهوض بمستوى الحياة في المنطقة ولكنها أقفرت بسواقي وآثار لحضارة تعود لآلاف السنين.. ولسان حالها يقول : كقامة النخيل يا "طهراقة" والصمت .. صبر الناقة .. يا أبناء النوبة تعالوا نعيدها سيرتها الأولى...
| |
|