آلام الهجرة والتهجير
الاعمام والاخوال والاباء والامهات العمات والخالات يصعب على ان اذكركم بتلك الايام القاسية التى مررتم بها ولكن ونحن نعد العدة للمؤتمر الثانى ’’ النوبة بين التهجير واعادة التعمير ’’ والمذمع عقده فى 22 مارس القادم بقاعة كان يجب علينا نحن الابناء والاحفاد ان نتذكر معكم ما عانيتموه فى تلك الرحلة وكما يحكى كتاب وزارة الشئون الاجتماعية والذى وصف قصة تهجير أهالي النوبة المصرية من خلال الكتاب الذي صدر عنها . وزارة الشؤون الإجتماعية والعمل المصرية آنذاك عن موضوع التهجير بعنوان: "تهجير أهالي النوبة 18 أكتوبر 1963 – 30 يونيو 1964". وسأنقل لكم هنا أهم ما جاء في الكتاب بدون تصرف ويهمنا في المقام الأول الإحصائيات الدقيقة التي صدرت في تلك الفترة عن منطقتنا، والقرارات الرسمية وذلك للتوثيق. ولكنني سأبدأ عرضي هذا بساعة الصفر:
وقبل البدء انوه اننى توصلت الى هذا الكتاب من خلال احدى منتديات النوبية السودانية
النوبيون على السفينة 2-4
وتدق ساعة الزمن معلنة مطلع أول أيام النقل 18 أكتوبر 1963.. فيتوافد النوبيون على السفينة .. ويشرف موظفو التهجير على ركوبهم وشحن أثاثاتهم بها..
وحين خلا الشاطئ من كل أثر للحياة.. قام موظفو التهجير بمراجعة أسماء الركاب على ما يحملون من كشوف.. وأصدروا تعليماتهم الأخيرة بعد إطمئنانهم على وجود الركاب وأثاثاتهم على السفينة..
أخذ عامل اللاسلكي الجالس بحجرته أمام جهاز الإرسال على ظهر السفينة ينادي.. هالو .. هالو .. هالو.. محطة الشلال .. أولى سفن النقل تنادي..
وتجيب محطة الإستقبال اللاسلكي التي أعدت خصيصاً لهذه المهمة بالشلال: هالو.. هالو.. الشلال يجيب..
ويعلن عامل اللاسلكي بالسفينة محطة الإستقبال بالشلال بأن السفينة على وشك الرحيل وأنها في انتظار الأوامر، وتجيب محطة الشلال بأن ميناء الشلال على سعته عامر بالمستقبلين وعلى رأسهم السيدة وزيرة الشؤون الإجتماعية وأن الأوامر صدرت ببدء الرحلة.
وتطلق السفينة صفارتها في نغم حزين.. لينعكس الصوت على الديار الخالية حاملاً الصدى إلى الآذان قبل بدء الرحيل.. وينطلق طائر أبيض من بين المساكن المهجورة ليحوم ويدور مرفرفاً بجناحيه فوق السفينة كأنها يقدم للمهاجرين قبل بدء رحلة العمر تحية وفاء ومعزة ووداع.
وتتحرك السفينة من مرساها في بطء متجهة إلى الشمال.. والنوبيون فوقها مولين وجوههم جهة الشرق، تشد عيونهم وانتباههم وأحاسيسهم المساكن الخالية التي غادروها منذ فترة وجيزة لآخر مرة.. وموظفو التهجير يحاولون صرف انتباهم إلى الشمال حيث الموطن الجديد في هذه اللحظات المؤثرة الحاسمة.
وتنطلق السفينة في عرض النيل متجهة في طريقها إلى ميناء الشلال.. حتى تلوح على الأفق الآلات الجبارة العاملة في إنشاء السد العالي.. وحينئذ تمسح يد الواقع عن وجوه النوبيين سحائب الذكريات.. وينطلقون في الرقص والغناء والصفق على نغمات الطبول والدفوف في حلقات مرحة ضاحكة مستبشرة واثقة مطمئنة إلى مستقبلها السعيد المأمول.
وبميناء الشلال كانت في استقبال النوبيين السيدة الدكتورة وزيرة الشؤون الإجتماعية على رأس جموع غفيرة من المواطنين الممثلين لجميع الهيئات والوزارات يحملون أعلامهم ولافتاتهم وطبولهم، في الوقت الذي كان فيه موظفوا التهجير من أعضاء لجنة الإستقبال بميناء الشلال يشرفون على تجهيز وحدات أسطول النقل البري من أتوبيسات ولواري والتي ظلت بميناء الشلال تنتظر قدوم النوبيين لنقلهم بأثاثاتهم إلى الموطن الجديد.
وحين وصلت أول سفينة إلى الميناء انطلقت من ركابها الزغاريد والهتافات المدوية بحياة الرئيس جمال عبدالناصر، وانطلقت أكف المستقبلين بالتصفيق وترديد الهتافات.
وتقدمت السيدة الدكتورة الوزيرة إلى السفينة وسط عاصفة مدوية من التصفيق والزغاريد والهتافات، مهنئة ركاب أول فوج من النوبيين بسلامة الوصول.
وأشرف موظفو التهجير على نزول الركاب من السفينة ثم ركوبهم الأتوبيسات في يسر ونظام، ثم قام الحمالون تحت إشرافهم بشحن الأثاثات والماشية – ماعدا الأبقار – بعد حقنها بمعرفة موظفي الطب البيطري – باللواري فإنها تحتجز بمحجر الشلال وتسلم لأصحابها بعد التأكد من سلامتها.
وحين انطلقت قافلة السيارات متجهة إلى "دابود" الجديدة، كان المواطنون على جانبي الطريق يحيون السكان الجدد ويهنئونهم بسلامة الوصول.
ووصل المواطنون إلى "دابود" ليجدوا الدكتورة وزيرة الشؤون الإجتماعية على رأس موظفي التهجير المختصين بالإسكان في انتظارهم هناك..
لقد وضع موظفو الإسكان مفاتيح مساكن القرية جميعها على لوحة توضح رقم مفتاح كل مسكن ورقم الشارع الواقع به، وقاموا بدراسة جغرافية القرية ومساكنها وأقرب طريق إلى كل مسكن.
وحين نزل المواطنون من العربات، أطلع الموطفون على البطاقة التي تحملها كل أسرة، وراجعوا بياناتها على الكشوف التي يحملونها، وسلموا لكل أسرة مفتاح مسكنها، ورافق كل مجموعتة من الأسر موظف لإرشاد كل منها إلى مسكنها.
ولم تمض ساعات حتى وصلت اللواري تحمل الأثاثات، وأشرف موظفوا التهجير على نقلها إلى مساكن أصحابها.
و "بدابود" الجديدة ظلت المخابز ساهرة تهيئ الخبز للسكان الجدد. وظلت المحال التجارية فاتحة أبوابها تلبي طلباتهم، وظل موظفو التهجير يلبون طلباتهم ويذللون الصعوبات ويعملون في جد ومثابرة ونشاط.
لقد تركزت على "دابود" في هذا اليوم الأنظار فمراسلي الصحف ومندوبيها ورجال الإذاعة والتلفزيون من جميع الدول جاءوا من كافة أنحاء المعمورة ليسجلوا تنفيذ هذه العملية الرائدة في عهدنا الثوري الجديد.. والدكتورة وزيرة الشؤون الإجتماعية في الميدان "بدابود" على رأس كبار موظفي الوزارة تشرف بنفسها على الإسكان وتذلل الصعوبات وتجري العديد من الإتصال لتوفير كل ما يحتاجه النوبيون.
وحين استقرت الأوضاع.. وانتصف الليل.. وخلت طرقات دابود من كل ساكنيها الذين استراحوا بعد طول العناء بمساكنهم، ولم يعد ساهراً إلا موظفي التهجير، انصرفت الدكتورة الوزيرة متجهة إلى أسوان مركز العمليات لتطلع بنفسها هناك آخر اللمسات على عمليات الغد.
وفي 23 أكتوبر 1963 كان السيد علي صبري رئيس المجلس التنفيذي بميناء الشلال ترافقه السيدة الدكتورة الوزيرة وبعض السادة الوزراء ومحافظ أسوان في استقبال أوف فوج من المهجرين من قريتي العلاقي وقرشة.
وحين ظهرت السفينة المقلة للفوج استقبلها السيد رئيس المجلس التنفيذي ومرافقوه بسفينتهم في عرض النيل مهنئين الركاب بسلامة الوصول ومكررين التهنئة بميناء الشلال.
وفي نفس اليوم أقيم حفل للسيد رئيس المجلس التنفيذي بقرية "دابود" ألقيت به كلمات التحية والتهنئة للسكان الجدد واستعرضت خلالها خطوات وأهداف خطة تهجير النوبيين.
وفي الأيام التالية توالت على مناطق العمل زيارات المسؤولين بوزارة الشؤون الإجتماعية وعلى رأسهم السيد وكيل الوزارة حيث أبدوا من الملاحظات ما كان محل الإعتبار عند التنفيذ .
إن رحلة أولى السفن التي حملت أول فوج من سكان "دابود" من النوبة القديمة إلى النوبة الجديدة، واحدة من مئات الرحلات التي بدأت في 18 أكتوبر 1963 وانتهت في اليوم الثاني والعشرين من شهر يونيو 1964.
وفي الأيام التالية توالت على مناطق العمل زيارات المسؤولين بوزارة الشؤون الإجتماعية وعلى رأسهم السيد وكيل الوزارة حيث أبدوا من الملاحظات ما كان محل الإعتبار عند التنفيذ .
إن رحلة أولى السفن التي حملت أول فوج من سكان "دابود" من النوبة القديمة إلى النوبة الجديدة، واحدة من مئات الرحلات التي بدأت في 18 أكتوبر 1963 وانتهت في اليوم الثاني والعشرين من شهر يونيو 1964.